
التوصيف والتكييف القانوني بين المشرع والقاضي
أشرنا في مقالة سابقة الى مفهوم التكييف القانوني و أهميته ودور كل من القاضي و المحامي في هذه العملية ذات الأثر الكبير في الواقع العملي. وفي هذه المقالة سوف نتعرض على عجالة لمفهوم التوصيف القانوني وأهمية بيان الفرق بينه وبين التكييف القانوني للمحامي الباحث .
الفرق بين التوصيف والتكييف القانوني
كنا قد عرفنا التكييف القانوني من وجهة نظر فقهية على أنه ” تحديد الوصف القانوني الصحيح للوقائع القانونية، أو التصرف القانوني”.
من جانب أخر، يمكن تلخيص مفهوم الفقه للوصف القانوني بانه ” التحديد التشريعي للافعال ذات الأثر القانوني ضمن نموذج أو مسمى قانوني ملائم”، كما أن يتم توصيف تمليك مال أو حق مالي لقاء عوض بانه عقد بيع ، أو توصيف التحريف المفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات على أنه جريمة تزوير، أو تعريف الحدث بانه كل من لم يتم الثامنة عشر من عمره.
ومما سبق يتضح أنه اذا كان القضاء هو الفيصل في عملية التكييف القانوني، فان التوصيف القانوني للافعال هو من مهام المشرع، وذلك على الاقل في الأنظمة التي تستند مرجعيتها على التشريع بشكل رئيسي وليس على السوابق القضائية.
هل التكييف القانوني مجرد تطبيق لوصف قانوني على الوقائع ؟
قد يبدو أيضاً للوهلة الأولى أن عملية التكييف القانوني هي مجرد تطبيق نص عام على واقعة أو وقائع جزئية؛ أي انها تقتصر على ما يسمى بالقياس السيلوجستي في علم المنطق .
وبالفعل في واقع الأمر فان كثيراً من الاحكام تبنى على مثل هذه التطبيقات المباشرة للنص القانوني كما في العديد من الوقائع القانونية ، فكتابة شيك دون مبلغ كاف مساند في البنك يعتبر بالوصف البسيط أنه تحرير شيك بلا رصيد وفقاً للتوصيف الوارد في المادة 421/1 من قانون العقوبات، وكذلك فان فعل كل من يقتني سلاح ناري غير مرخص يعتبر بانه مرتكباً لجرم حيازة سلاح ناري بدون ترخيص وفقاً للتوصيف الوارد بالمواد 3 و 4 من قانون الاسلحة النارية والذخائر.
الاختلاف في التكييف والاشكال في التوصيف
الا ان عملية التكييف القانوني لاتكون بهذه السهولة دائماً؛ لانه كثيرا ما لايكون التطابق بين الوقائع والوصف القانوني واضحاً سواء لان الوصف القانوني قد يعتريه بعض الغموض، أو لأن الواقعة أو الوقائع قابلة لأن تندرج تحت عدة أوصاف قانونية مما ينتج عنه تناقض وتزاحم في النصوص التشريعية التي تحكم الواقعة.
اختلاف الاحكام لاختلاف التوصيف المطبق على الواقعة
ولعل عدم التطابق الجلي مابين الواقع الشائك والنص المجرد هو ما يفسر الكثير من الاختلاف في الأحكام القضائية بين درجات التقاضي لذات الواقعة. ومثال على ذلك واقعة قام فيها المشتكى عليه بصفته ممثلاً عن احدى الشركات بشراء مواد كهربائية من شركة اخرى بفواتير ذات قيمة وهمية حتى يكسب الفرق بين المبلغ الحقيقي المدفوع والمبلغ الوهمي المطلوب متحايلاً بذلك على الشركة التي يعمل بها . وقد اعتبرت محكمة تمييز/ جزاء في قرارها رقم (3292/2018/طلبات) /منشورات قسطاس ، أن افعال المشتكى عليه تشكل جنحة اساءة الائتمان، مخالفةً بذلك قرار محكمة بداية جزاء عمان بصفتها الاستئنافية رقم (1364/2018) /منشورات قسطاس والذي اعتبرت فيه أن افعال المشتكى عليه تشكل جنحة احتيال تنطبق عليها العقوبة الأعلى.
وبررت محكمة التمييز تكييفها السابق بان الاتفاق بين المشتكى عليه والشركة الذي تم بناء عليه الشراء يجعل من المشتكى عليه وكيلاً بالشراء عن الشركة التي يعمل بها، مما يستدعي تكييف افعاله ووصفها كجنحة اساءة الائتمان وليست جنحة الاحتيال .
وأيضاً مثالاً على التضارب في التكييف القانوني للدعوى تبعاً لاختلاف التوصيف ما قامت به محكمة الدرجة الاولى عندما كيفت دعوى المؤجر بانها دعوى فسخ عقد ايجار وحكمت له بالاجور في واقعة قام فيها المؤجر بالمطالبة بأجور عن عقد ايجار لايحمل توقيع المستأجر، مؤسساً المؤجر دعواه على انها دعوى فسخ عقد ايجار، حيث لم يقبل المستأجر بالحكم الابتدائي فطعن فيه استئنافاً وصدر حكم محكمة استئناف حقوق عمان رقم (10263/2017)/منشورات قسطاس والذي تم فيه تكييف الدعوى بانها توصف وتستند الى عقد ايجار باطل لايحمل توقيع المستاجر مع الحكم بالاجور المستحقة، لم يقبل المستأجر أيضاً بالحكم الاستئنافي فطعن فيه تمييزاً حيث أصدرت محكمة التمييز الحقوقية قرارها رقم(1577/2019)/منشورات قسطاس وفيه ان التكييف والوصف القانوني السليم للدعوى انها دعوى منع معارضة كونها تستند الى عقد ايجار باطل لايحمل توقيع المستأجر، وليست دعوى فسخ عقد ايجار بالوصف السابق مما يترتب عليه عدم الحكم بأية اجور مستحة للمؤجر .
ولاشك أن المحامي المتمرس يولي أهمية كبيرة لعملية التكييف لما يترتب عليها من نتائج لموكله؛ اخذاً بعين الاعتبار أهية الدقة والحجة في المطابقة بين نصوص التوصيف والوقائع، وذلك لان الفيصل في الربط بين الواقعة والنص القانوني يبقى في يد القضاء النبه . وسنقوم في مقالات لاحقة مشاركة ارشادات تساهم في مساعدة البحث في السعي نحو التكييف السديد للوقائع .
تأكد بان قسطاس قادر على مساعدتك في مواجهة ذلك التحدي القانوني .
هل وجدت هذه المقالة مفيدة ؟